المنح الإلهية في شرح العشماوية في الفقه المالكي – الفيشي

✦ مكانة متن العشماوية وأهميته

يُعَدُّ متن العشماوية للإمام عبد الباري العشماوي (من علماء القرن العاشر الهجري) من أهم المتون التعليمية في الفقه المالكي، حيث نال انتشاراً واسعاً في مصر والمغرب والأندلس، واعتمد في المعاهد الأزهرية والمدارس الشرعية في الأحساء والخليج. يتميز هذا المتن بعبارة واضحة مختصرة، جمع فيها مؤلفه مسائل الطهارة، الغسل، التيمم، الصلاة، الجمعة، الجنازة والصيام، مما جعله مرجعاً أساسياً للمبتدئين في دراسة العبادات. لقد هيأ هذا المتن المبارك جيلاً من الطلاب، وكان بوابة للفقهاء إلى التعمق في المذهب.

✦ مكانة شرح العشماوية للفِيشي

أمام هذه المكانة، أقبل العلماء على شروح العشماوية، فظهرت شروح وحواشٍ ونظم متعددة. ومن أبرز هؤلاء الإمام محمد بن محمد بن أحمد الفِيشي (ت ٩٧٢هـ)، أحد كبار علماء المالكية، الذي عُرف بتدقيقاته الفقهية وترجيحاته النفيسة. وقد خلّف الفِيشي آثاراً نافعة، من أهمها كتابه «المنح الإلهية في شرح العشماوية في الفقه المالكي»، وهو شرح متوسط جمع فيه بين سهولة العرض ودقة الاستنباط. تناول المؤلف مسائل الطهارة والصلاة والصيام، وزاد أبواباً نافعة كالاعتكاف والزكاة والحج والعمرة، فصار شرح العشماوية للفِيشي مرجعاً معتمداً عند فقهاء المالكية ومصدراً لا يُستغنى عنه في تدريس العبادات.

✦ قيمة تحقيق شرح العشماوية للفِيشي

جاءت هذه الطبعة محقَّقة على يد أبي عمر أحمد مصطفى قاسم الطهطاوي، الذي بذل جهداً علمياً رصيناً لإبراز قيمة الكتاب. اعتمد على عدة مخطوطات، فشرح المصطلحات الفقهية والأصولية، وبيّن الألفاظ المشكلة في المتن والشرح، وخرّج الأحاديث والآثار مع بيان درجتها. كما عزَا النصوص إلى مصادرها الأصلية، ووثّق الآراء المنقولة عن المالكية وسائر المذاهب، وترجم للأعلام الواردين باستثناء المشهورين، مع عناية خاصة بالمؤلف العشماوي والشارح الفِيشي. أضاف المحقق عناوين فرعية لتسهيل القراءة، وأشار إلى الراجح والمشهور في المذهب مقابل الأقوال المرجوحة، مع الاستفادة من تعقيبات وتصويبات الصفتي. بهذا الجهد صار هذا التحقيق إضافة علمية ثمينة، تجمع بين أصالة التراث ودقة المنهج، وتبرز للدارس أهمية شرح العشماوية للفِيشي كأحد أبرز شروح المذهب المالكي.