الشرح الصغير المسمى مختصر الدر الثمين والمورد المعين – ميارة

تمهيد: مكانة «الشرح الصغير لميارة على متن ابن عاشر» وأهميته

يُعَدُّ الشرح الصغير لميارة على متن ابن عاشر من المصنفات البارزة في التراث المالكي، ألّفه الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد ميارة الفاسي ‎(تـ ١٠٧٢ هـ)، أحد أعلام القرن الحادي عشر الهجري. وقد كان ميارة من تلامذة الإمام عبد الواحد بن عاشر رحمه الله، صاحب المنظومة التعليمية المشهورة التي جُمِع فيها بين مسائل الاعتقاد والعبادات والسلوك، بأسلوب موجز يسهل حفظه وفهمه. وقد تأثر ميارة بمنهج شيخه في التعليم والتأليف، فصاغ كتابه بأسلوبٍ يجمع بين النظم والشرح، مع الحرص على تقريب العلم وتبسيط المسائل للطلاب، مما جعل الشرح الصغير لميارة على متن ابن عاشر من الكتب التعليمية المنتشرة في مدارس المغرب والأندلس.

مضمون الكتاب ومنهجه في العرض

ألّف الإمام ميارة هذا المختصر تلخيصًا لشرحه الكبير على منظومة ابن عاشر، فاختصر عباراته، وقرّب معانيه، مع المحافظة على ترتيب الأبواب ومسار النظم الأصلي. ويمتاز الكتاب بأنه يشرح أهم أبواب الفقه المالكي العملية، مثل الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، بأسلوب واضح ومنهجيّ دقيق. وكما هو الحال في نظم ابن عاشر، تضمّن الكتاب إشارات إلى مباحث العقيدة الأشعرية وبعض مسائل السلوك والتزكية كما كانت تُدرَّس في بيئة المؤلف. ويعرض ميارة هذه الموضوعات ضمن سياقها التعليمي والتاريخي، فيتناولها بأسلوبٍ تقريريٍّ خالٍ من الجدل الكلامي، مركزًا على الجانب العملي المقصود من الكتاب، وهو بيان فقه العبادات وتوضيح أحكامها للمبتدئين. وهكذا يظهر توازن المؤلف بين الجانب العقدي والتربوي من جهة، والجانب الفقهي العملي من جهة أخرى، مما يمنح هذا الكتاب مكانة خاصة في منظومة التعليم المالكي.

الملامح العامة لكتاب «الشرح الصغير لميارة على متن ابن عاشر» وسبب اعتماده

يمتاز الشرح الصغير لميارة على متن ابن عاشر بوضوح العبارة وسلاسة الأسلوب، فهو يسير مع النظم بيتًا بعد بيت، ويُبسط المعاني بطريقة تيسر الحفظ والمراجعة. كما يتميز مختصر الدر الثمين والمورد المعين باعتماد ما استقر عليه العمل في المذهب من الترجيحات، مما يجعله مرجعًا تعليميًا دقيقًا في فقه العبادات. وقد صار هذا الكتاب من المتون المعتمدة في التعليم المالكي، يُدرَّس في المراحل الأولى لتأصيل الطالب في مسائل الطهارة والصلاة وسائر العبادات. كما يُعدّ مدخلًا لفهم منظومة ابن عاشر وشروحها الكبرى، إذ يجمع بين الاختصار النافع والتحليل الواضح الذي يقرّب المسائل الشرعية بأسلوبٍ تربويٍّ رصين. وبذلك يُعتبر الشرح الصغير لميارة على متن ابن عاشر نموذجًا خالدًا في خدمة المذهب المالكي، يجمع بين أصالة المنهج ودقّة العرض، ويعكس روح المدرسة الفقهية المغربية القائمة على التعليم والتقريب والإفادة.