الموطأ – رواية محمد بن الحسن الشيباني

الموطأ: تعريف ومكانة

الموطأ هو أحد أعظم دواوين الإسلام وأقدمها في تدوين السنّة والفقه. ألّفه الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة ونجم السنن كما وصفه الشافعي، فجمع فيه بين الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة عن الصحابة والتابعين، مقرونًا باجتهاداته وفتاواه. ومن أبرز رواياته الموطأ رواية محمد بن الحسن، التي اكتسبت أهمية خاصة لكونها حلقة وصل بين مدرسة الحديث ومدرسة الرأي، مما جعل الكتاب مرجعًا أصيلاً للأمة الإسلامية شرقًا وغربًا.

وقد حظي الموطأ بقبول الأمة وعناية العلماء عبر العصور، فشرحوه شروحًا كثيرة واعتمدوه في الفقه والحديث، حتى عُدّ أصلًا متينًا استفاد منه أصحاب المصنفات الشهيرة بعده. وعلى الرغم من تقدّم الصحيحين عليه رتبةً بسبب ما فيه من بلاغات ومراسيل، إلا أن مكانته في تاريخ الإسلام لا يُدانيها كتاب آخر في الجمع بين الرواية والدراية.

الموطأ رواية محمد بن الحسن الشيباني

تميّزت الموطأ رواية محمد بن الحسن بأنها جسرت الهوّة بين مدرستين عظيمتين: مدرسة الحديث التي يمثلها الإمام مالك، ومدرسة الرأي التي برع فيها الإمام أبو حنيفة. لم يقتصر محمد على النقل عن مالك، بل أضاف رأيه واجتهاده الفقهي بلغة موجزة وواضحة، فكان أحيانًا يقول: «وبه نأخذ»، وأحيانًا يخالف مستدلًا بما ترجّح عنده من نصوص وآثار. بهذا الأسلوب تحولت الرواية إلى سجل حي لفقه الحديث، بعيد عن التعقيد، غني بالوضوح والبيان.

وما يميز هذه الرواية أنها تُبرز كيف يتعامل الفقيه مع الحديث، متى يوافق ومتى يخالف، وكيف يرجّح بين الأدلة. لذا اعتُبرت الموطأ رواية محمد بن الحسن موسوعة مصغّرة في أحاديث الأحكام، تُفتح بها آفاق جديدة للباحثين، سواء في دراسة خلافاته مع مالك، أو مناقشة اجتهادات أبي حنيفة، أو تتبع بلاغاته الخاصة. إنها جسرٌ يربط بين الحديث والفقه، ويكشف عن عقلية متحررة من التعصب، متشبّعة بأدب الخلاف وإنصاف الدليل.

أهمية الموطأ رواية محمد بن الحسن ونهج التحقيق

اعتمد التحقيق على جمع ١٤ نسخة خطية وانتخاب ٤ منها، واتخذت نسخة الفاتح أصلًا لجودتها. وتميّزت الطبعة بالتفريق بالألوان بين ما أسنده محمد عن الإمام مالك وما أورده من غيره أو بلاغاته، مع تخريج الأحاديث المرفوعة على طريقة المحدّثين بدءًا بمالك، ثم الصحيحين، فالمسانيد والسنن.

كما تم إخراج الآثار غير المسندة من مصادرها، وبيان بلاغات الإمام محمد غالبًا من مصدر واحد، مع شرح الغريب وبيان الأسماء المبهمة. وأُفردت فهارس خاصة لمسائل الخلاف بين الإمام محمد ومالك وأبي حنيفة، ليقدَّم النص للقارئ في صورة محققة تجمع بين أصالة الرواية ودقة المنهج. وبهذا تبقى الموطأ رواية محمد بن الحسن مرجعًا خالدًا في الحديث والفقه معًا.